الزمن في انسياب دائم منذ الأزل ، على مر العصور و على مدى الأحقاب ، و ليس يستغل قيمته إلا الذي يملأه بما ينفع ، و ليس يدرك أهميته أكثر ممن ضاعت منه فرص الانتفاع به ، و هذه القيمة النادرة إن ضاعت لا تعوض و إن ذهبت فهي لن تعود . . . و عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – لرجل و هو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، و غناك قبل فقرك ، و فراغك قبل شغلك ، و حياتك قبل موتك " . حديث صحيح على شرط البخاري و مسلم .
و حياتنا مرتبطة ارتباطا مباشرا بالزمن ، هذه الحياة ليست محض أيام و شهور و سنوات متتالية ، و ليست مجرد مراحل عمر تتابع فقط لأن هناك زمن ، الحياة أكبر من هذا المفهوم بكثير ، الحياة مغامرات لا تنتهي ، و دروس نتلقاها يوما بعد يوم . . . و لا يظفر بالنصر في تلك المغامرات ، و لا يوقن المعنى الحقيقي لتلك الدروس ، إلا الذي أعد العدة لما بعد هذه الحياة . . . للموت ثم للدار الآخرة . . . و ما إعداد العدة إلا بالتزام كتاب الله و سنة نبيه – صلى الله عليه و سلم – . لأن هذه الحياة لم تخلق لـ : لاشيء ، و الحكمة منها ليست أن تكون هي غايتنا و مرتعنا ، بل أن تكون وسيلتنا لشيء أعظم و أبقى . . . قال الله – تعالى – : " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون " الآية 115 / سورة " المؤمنون " .
و الحياة فيها نجاحات ، تماما مثلما فيها إخفاقات ، فيها أفراح ، لكنها لا تخلو من الأحزان أيضا ، هكذا هي دائما ، لا تستقر على حال ، و موازينها ليست ثابتة ، يوم لنا و يوم علينا ، و هذه حكمة الله في خلقه . . .
و الحياة ، خلقت أيضا لنسعى فيها ، بما أننا سنعيشها ، و ليس هناك دليل أكبر مما حثنا عليه ديننا من السعي خلف الرزق و الأخذ بالأسباب ، مع وجوب التوكل على الله – عز وجل – في كل حال . . .
و الحياة ، في خضم مغامراتها تلك ، وجب أن نستمتع فيها ، تماما كما نستفيد و نأخذ منها لما يليها . . . لأن فيها الجمال أيضا ، في الطبيعة ، في الكون ، وحتى في التفوق ، و في النجاح . .